قصة الغابة ومجلس الصخرة
قصة الغابة ومجلس الصخرة :
قصة الغابة هي قصة ترويها حيوانات الغابة ، وبطل هذه القصة إنسان عاش في الغابة ويدعي موجلي . وأهم أبطال هذه القصة هم :
موجلي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ إنسان بطل القصة .
أكيلا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ الأسد "رئيس مجلس الصخرة"
شيرخان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ النمر .
باولو ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ الدب .
باغيرا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ الفهد .
بندرلوك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ القرد .
تاباكي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الضبع "دمنه"
وبعد أن تعرفت على أبطال القصة إليك الآن أحداث هذه القصة التي حدثت في الغابة .
في ذات يوم من الأيام ذهب موجلي إلى الغابة بصحبة والده . وقد ظهرت لهم بعض الأرانب البرية ، فأستأذن والده ليصطاد إحداها فأذن له فجري خلفها وطال به الجري ، ولم يقعد به التعب عن مواصلة جريه ، حتى ظفر بصيده ، فعاد أدراجه فإذا به يضل الطريق ، وظل يسير في الغابة على غير هدي .
أما والده فقد استبطأ عودته وظل يبحث عنه في أنحاء الغابة عدة أيام فلم يعثر له علي أثر ، فتسرب اليأس إلى نفسه ، وظن أنه لأبد أن يكون قد لقيه وحش من وحوش الغابة فافترسه . فحزن عليه حزناً شديداً.
أما موجلي فانه في أثناء تخبطه في مسالك الغابة ، شعر فجأة بما أنذره بخطر يقترب ، وسرعان ما سمع صوتاً غريباً لم يألفه فولي وجهه قبل الجهة التي انبعث منها هذا الصوت فرأى نمراً ضخم الجثة يقترب منه يبغي افتراسه ، فذعر وخاف وصرخ صرخة رعب وخوف ، ولم يلبث أن سري عنه بعض ما كان يشعر به من خوف حيث رأي فهداً أسود كبير الجسم يتقدم نحو النمر في غضب ظاهر ثم إذا بهما يتشابكان في قتال شرس عنيف ، واستمرت المعركة بينهما فترة من الزمن في شدة وعنف وقد أثخن كلاهما بجراح أسالت منهما الدم الغزير . إلى أن تغلب الفهد الأسود في النهاية على النمر فولي مدبراً بعد أن كاد الفهد الأسود أن يفتك به .
وكان قد بلغ الإعياء من الفهد كل مبلغ ، فتمدد على الأرض ، وأخذ يزفر زفرات الألم من شوكة كبيرة كانت قد غرزت بأحدي أرجله ، وتقدم موجلي إلى هذا الحيوان الضاري فرآه ينظر إليه نظرة ود وعطف ، فرمي له بالأرنب الذي كان قد اصطاده اعترافاً منه بجميله عليه من إنقاذه من براثن النمر ، فانقض الفهد علي الأرنب يأكله حتى أتي عليه ، واقترب موجلي من الفهد وربت بيده على كتفه ، وجلس إلى جواره واستطاع أن يخرج الشوكة التي كانت تؤلمه من رجله .
وشعر الحيوان بالراحة ونظر إليه نظرة فيها كل معاني الشكر والثناء ، وأنس كل منهما لصاحبه واطمأن إليه ونهض الفهد وحمل موجلي وسار به إلى مكان قصي من الغابة مملوء بالوحوش المختلفة وكانت الوحوش تلقي الفهد الأسود وكان اسمه "باغيرا" بكثير من التجلة والاحترام ، وتنظر إلى موجلي نظرة الدهشة والاستغراب ، فيهمهم الفهد لها همهمة لعلها كانت تعرفهم به مكان رحب في أثنائها . فتخلي لهما الطريف في إجلال وإكبار ، حتى وصلا إلى مكان رحب مكشوف في الغابة لم ير مثله من قبل . وقاده "باغيرا" إلى أسد كبير مهيب الطلعة ، مرهوب الجانب يجلس وسط صخرة عظيمة يحف به كثير من الوحوش وقد عرف موجلي أنه ملك هذه الغابة وسيدها المطاع ، وأنه يسمي "أكيلا" .
رحب أكيلا بموجلي ترحيباً شديداً بعد أن علم بقصته من "باغيرا" وقدمه أكيلا إلى بقية صحبه وطلب منه أن يعيش معهم في أمن وطمأنينة وقاد أكيلا موجلي إلى عرينه ، فخرج أشباله لاستقباله فرحين مهللين ، وأودع موجلي بينهم يسرح ويمرح كأنه واحد منهم .
مكث موجلي مع الأسد وأشباله ما شاء الله أن يمكث ، وشب وترعرع بينهم ومعني كلمة موجلي "الضفدع" ، وقد عهد به أكيلا إلى من يلقنه قوانين الغابة ويوقفه على حيلها ومكائدها ويمرنه على كيفية الحصول على طعامه بنفسه ، والهرب من أعدائه . وقد أكسبته حياة الغابة ساعداً مفتولاً ، وصحة جيدة ، وحيلة واسعة ونشاطاً عظيماً .
وعاش موجلي في الغابة سعيداً بعطف أكيلا عليه ، ناعماً بحب "باغيرا" له . وقد أفاده ذلك بمعرفة جميع حيوانات الغابة ، فأصبح يغدو ويروح بين الوحوش الضاربة لا يخافها ولا يخشاها . ولم يلبث سوي القليل حتى اكتسب حب هذه الوحوش، فقد كان يلاطفها كلما خلا بأحدها ، ويصالح بينها إذا تخاصمت ، ويعينها إلى أمورها جهد طاقته ، ويعود مرضاه ، ويطيب جراحها ، ويلاطف صغارها ويخرج الشوك من أرجلها ، حتى أصبحت له على كل حيوان يد ظاهرة وأثر بارز فأنس بها وأنست به ، ومضت سنوات لا يستطيع أن يذكر عددها وهو يعيش مع أصدقائه الجدد حياة كلها سعادة وهناء .
وعاش موجلي في الغابة هادئاً مطمئناً سعيداً يقضي معظم وقته جليس أكيلا أو رفيقه في الكثير من جولاته ورحلاته . وكان أكيلا محبوباً من جميع الحيوانات لقوته وشجاعته . ولما لا يحبونه وهو يعطف على ضعيفها ، ويحب صغارها ويحكم بينها بالعدل ، وكان إذا مرض منها حيوان عاده ، وأمر له بالأكل يؤتي له به على يد صحبه حتى يبرأ ويشفي.
وتعرف موجلي في مجلس أكيلا بدب أسمر يسمي "باولو" كان وزير أكيلا الأول و مستشاره الأمين ، كما كان "باغيرا" وزيره الثاني وأحد مستشاريه وكان باولو مقرباً من أكيلا ومحبوباً من جميع الحيوانات لحسن حكمته وسداد رأيه ، وقد كان أكيلا يعهد إليه بتعليم الأشبال قانون الغابة ، وكان من أتباع أكيلا ابن أوي ويدعي تاباكي وقد كان ضبع حقير الشأن ، ولكنه ذو مكر ودهاء ، يبتغي الزلفى الى الغير بالملق والنميمة .
وقد استطاع تاباكي فيما مضي من الزمن أن يتقرب إلى أكيلا ويصيب عنده منزلة سامية . فلما رأي أنه صار يحبو موجلي بعطفه وحبه ويقربه منه ويأنس إليه و يشاوره في كل أموره ويعجب بذكائه وفطنته ، امتلآ قلب تاباكي غيظاً وحقداً على موجلي . وكان تاباكي يعرف قصة موجلي ، وكيف أن قتالاً نشب بين "باغيرا" وشيرخان بسببه ، فرأي أن يذهب إلى النمر ليوغر صدره على موجلي ويحرضه على قتله . وقد كان شيرخان نمراً معجباً بنفسه ، مزهواً بقوته وبطشه وقد كان يحمل للفهد الأسود "باغيرا" في حنايا صدره ضغينة وحقداً وذاد من ضغينته وحقده ما جرس بينهما بسبب موجلي . ولكن شيرخان كان جباناً يخشي على نفسه من بطش الفهد الأسود الذي كان مشهوراً في الغابة بأنه صياد قوي واسع الحيلة ، لذلك كان أكيلا يعهد إليه بتدريب الأشبال على القتال وتعليمها كيفية الحصول على الطعام وكيفية الإفلات من الأعداء .
أما تاباكي فقد كان يلازم شيرخان في صيده ليجود عليه بفضله من طعامه وكان يجزيه على ذلك أن ينقل إليه أخبار "باغيرا" وموجلي عدويه اللدودين و بخاصة موجلي الذي كان يعتقد أنه سيكون فريسته .
وذات يوم ضم مجلس أكيلا "باولو" و باغيرا وزيريه المقربين وموجلي و تاباكي وتحدث باغيرا طالباً من أكيلا أن يأذن له في أن يأخذ موجلي إلى مجلس الصخرة ليعد وعد الغابة ليصبح عضواً معترفاً به من أبناء الغابة . وكان قانون الغابة يقضي أن الأشبال إذا تعدت طور الطفولة، وأصبحت قادرة على أن تصيد صيدها، تؤخذ إلى مجلس الصخرة.
وهذا المجلس ينعقد عادة مرة كل شهر عندما يكون القمر بدراً ، لتتعرف الحيوانات على بعضها وتتحقق من بعضها البعض حتى لا ينالها أذي ثم تعد وعد الغابة فتصبح أعضاء ضمن زمرة "فرقة" الغابة . ومجلس الصخرة مكان في قمة تل به صخرة كبيرة يجلس عليها أكيلا رائد الغابة الذي قاد سكانها بقوته وحكمته وذكائه، في دائرة كبيرة حول هذه الصخرة توجد حجارة كثيرة تجلس عليها الحيوانات. ورحب أكيلا بتقديم موجلي إلى مجلس الصخرة ، وطلب من "باغيرا" أن يقوم بتقديمه . وأسرع تاباكي بنقل الخبر إلى صديقه شيرخان الذي ضايقه أن يصبح موجلي عضواً رسمياً من أعضاء الغابة فيتمتع بخيراتها ولا يستطيع أحد أن يصيبه بأذى بعد ذلك . وفي اليوم المحدد لاجتماع مجلس الصخرة أخذ "باغيرا" موجلي معه وأجلسه بجوار صغار الحيوانات التي يراد إلحاقها بالزمرة "الفرقة" ولم يكد يقر بموجلي القرار حتى بزغ القمر فأضأت أشعته الفضية المكان الذي اجتمعوا فيه ، ورأي موجلي شيرخان النمر عابس الوجه ، مقطب الجبين ، ينم وجهه عن شر عظيم . وفي ذلك الوقت وصل أكيلا الذي كان الجميع في انتظاره ، فاخترق صفوف الحيوانات ، وسار سيراً بطيئاً ، تحفه المهابة والوقار نحو الصخرة ، ولما بلغها اعتلاها وما كاد يفعل ذلك حتى قامت الحيوانات جميعها إجلالاً له واحتراماً ثم مالت برؤوسها إلى الوراء وحيته بصيحة عظيمة وجلست في أماكنها ، وتحدث أكيلا قائلاً : (أيها الأحرار أنكم تعرفون قانون الغابة ، فانظروا جيداً ، وتأملوا هؤلاء الأشبال الذين شبوا عن الطوق وأصبحوا بذلك أهلاً لأن ينضموا لصفوف العاملين الكادحين ، أمعنوا النظر فيهم جيداً حتى تعرفونهم إذا ما لقيتموهم في مسالك الغابة وضروبها ، فلا تصيبوهم بجهالة) .
ثم طيف بالأشبال واحداً واحداً حول الصخرة ، فكان إذا ما انتهي شبل من طوافه وفق أمام أكيلا ووعد بشرفه أن يعمل بقانون الغابة فيحيه أكيلا وتحيه بقية الحيوانات ويأخذ مكانه حول الصخرة .
حتى إذا ما جاء دور موجلي ، سمع عند ذلك زئير عظيم هو صوت شيرخان يصيح : (وما صلة الشعب الحر بهذا الإنسان الغريب عنا .إن بني جنسه يستذلوننا بالصيد والأسر ويتفننون في وسائل الفتك بنا . أيها الشعب الحر أطردوه من الغابة فلا أمان لنا ببقائه فيها) .
لكن باولو حكيم الغابة ومقننها قال : ( إن قانون الغابة لا يمنع قبول موجلي عضواً فيها وأنا أتعهد لكم بأنني سأعلمه بنفسي وأقوم بتلقينه قانون الغابة كما أفعل مع أشبالكم ) وتبعه "باغيرا" فقال : (لقد عاشرتم موجلي وخبرتموه فلمستم عطفه عليكم وحبه لكم ، وليس منكم أحد إلا صنع فيه معروفاً فهل فيكم من يعارض في ضمه إلينا؟ ) .
ونظر "باغيرا" ناحية شيرخان نظرة كلها وعيد وتهديد جعلت شيرخان لا يجسر على الكلام.
وانطلقت صيحات الحيوانات من كل جانب ترحب بموجلي . فطيف به حول الصخرة ووعد وعد الغابة، وأصبح منذ تلك الساعة عضواً رسمياً في جماعة الغابة .