مع ادراكنا التام لخطورة استمرار ارتفاع معدل النمو السكاني ومع استعدادنا لمواجهته كأحد أهم التحديات التي تواجهنا في اطار السياسات والخطط التنموية التي تضعها الدولة
وتشرف على تنفيذها وتشدد على أهمية مشاركة المجتمع الأهلي فيها وتحمل مسؤولياته ازاءها ، فإن التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) يشير الى تحديات أخرى- لا تقل أهمية عن تحدي النمو السكاني- ينبغي على الحكومات والمجتمعات العربية مواجهتها - لا سيما تلك المتعلقة بالبيئة والموارد الطبيعية.
في السابق، وحتى لفترة قريبة جداً كانت فكرة التنمية والتنمية المستدامة في العالم تعتمد على مبدأ استثمار واستغلال الموارد الطبيعية المتاحة الى جانب استثمار الطاقات البشرية وتوجيهها ما أمكن لتحقيق رفاه الانسان.
اليوم هناك من يشكك بهذه الآلية أو السياسة وينبه الى ضرورة تصحيحها ويدعو للتوازن والتعقل في استغلال الطبيعة، وبالتالي يدعو لاعادة انتاج المفاهيم المتعلقة بالتنمية خصوصاً بعد اكتشاف الاخطاء البشرية الكبيرة المرتكبة التي أدت الى تدهور النظم البيئية والى تعميق المشكلات البيئية التي راحت بدورها تترك آثاراً سلبية وربما كارثية على الاقتصادات الوطنية كما على أنماط المعيشة ومستوياتها.
فالافراط في استغلال الموارد الطبيعية جعل البيئة تصبح عبئاً على الاقتصاد وأظهر الارتباط العضوي الوثيق بين التنمية والبيئة بعناصرهما المتعددة والمترابطة كما أظهر على نحو شديد الوضوح حقيقة أن عملية التنمية ينبغي أن تنطلق من قاعدة العمل لتحقيق مايمكن تحقيقه دون الاساءة الى الطبيعة ، بل إن هناك من يعرف التنمية المستدامة الناجحة بأنها العملية التي تمضي لتحقيق اهدافها لكنها في الوقت ذاته تسعى لحماية الموارد الطبيعية، وإلا فلن تكون مستدامة.
وعندما يصل استغلال الانسان للموارد الطبيعية تحت عنوان : التنمية الى حدود الاساءة للبيئة والطبيعة بما يجعل مشكلاتها تتعمق وبما يجعلها تسير بتسارع كبير الى التدهور تفقد العملية التنموية جزءاً مما تنطوي عليه من غايات نبيلة وأهداف اقتصادية لأن هذا التدهور وتلك المشكلات لها تكلفتها الاقتصادية المباشرة ، فضلاً عن تكلفتها الباهظة غير المنظورة (ظاهرة الاحتباس الحراري- تغير المناخ والتصحر والجفاف- شح المياه ونضوبها- تراجع التنوع البيولوجي.. الخ).
وإن التكلفة الاقتصادية المباشرة للتدهور البيئي في الدول العربية التي قدرها تقرير (يو نيب) الأممي بنحو 2.4-4.8٪ من اجمالي الناتج المحلي، وتوقعاته بأن يساهم ارتفاع معدل النمو السكاني وتطور انماط الانتاج والاستهلاك وتحسن مستوى المعيشة في زيادة معدل طرح النفايات الصلبة لترتفع من 25 مليون طن عام 1995الى 200 مليون طن بحلول العام 2020- ان هذه الأرقام وغيرها مما ورد في التقرير- تضع مجتمعاتنا وحكوماتنا أمام تحديات جديدة ينبغي التنبه إليها من الان سعياً لتحسين ادائنا البيئي واستغلالنا للموارد الطبيعية، وربما يأتي في المقدمة منها المياه والطاقة لأنهما الأعلى تكلفة تطبيقاً للقاعدة الاقتصادية التي تقول: إن صافي الوفرة من الموارد الطبيعية والبيئية هو المقياس الحقيقي لمعدل وفرة الاقتصاد.