الطيور
الطيور birds فقاريات من ذوات الدم الحار، تتراوح درجة حرارتها بين 38ـ44درجة مئوية، جسمها مغطى بالريش، قادرة على الطيران باستثناء القليل منها كالبطريق والنعام. وهي تشبه الزواحف في كثيرمن الصفات كالتكاثر بالبيض، والتشكل الجنيني، وبنية الأجهزة الداخلية، ووجود المقذرة وغياب الغدد الجلدية (ماعدا الغدة الذيلية)، وتشابه عظام القحف وغيرذلك من الصفات التشريحية.
الشكل (1) أشكال مختلفة لأرجل الطيور
الشكل (2) أشكال مختلفة لمناقير الطيور
الشكل (3) أنواع الريش
جسم الطيور انسيابي، تحور الطرفان الأماميان فيه إلى أجنحة تُستخدم عادة للطيران والسباحة عند البطريق، أما الطرفان الخلفيان فيحملان الجسم، وتكسوهما حراشف قرنية. لمعظم الطيور أربعة أصابع، ثلاثة منها متجهة للأمام والرابعة نحوالخلف، ولكن لبعض الأنواع كالببغاء ونقار الخشب إصبعان متجهان للأمام وآخران للخلف، تساعدها في التثبت على الأغصان وجذوع الأشجار، وللجوارح أرجل قوية مجهزة بمخالب حادة تستخدمها لاقتناص الفرائس، على عكس السنونو الذي تكون أرجله دقيقة وضعيفة، أما الطيور التي تعيش قرب المسطحات المائية (الضحلة الماء) كاللقلق والبلشون فأرجلها طويلة ذات أصابع نحيلة وطويلة لتساعدها على الخوض في طين المستنقعات. وللدجاجيات أرجل كبيرة وقوية مجهزة بمخالب غيرحادة تستخدمها للنبش والبحث عن الغذاء في الأرض. كما أن أرجل الطيورالمائية مزودة بأغشية جلدية تمتد بين الأصابع تمكنها من السباحة في الماء الشكل (1).
يعد المنقار من مميزات الطيور، ويختلف شكله باختلاف الأنواع، حيث يتناسب مع بيئة الطائر ونوعية غذائه، فمناقير العصافير التي تتغذى بالحشرات الصغيرة تكون بشكل عام رفيعة وحادة، أما الطيور التي تتغذى بالبذور فمناقيرها هرمية أو إسفينية، في حين أن للطيور الجارحة مناقير معقوفة وقوية لتساعدها على تمزيق الفرائس، وللطيورالتي تخوض في الماء مناقير طويلة ونحيلة وسابرة تستخدمها للبحث عن طعامها في الطين، وهناك المناقيرالعريضة والملعقية والخنجرية وذات الحواف المشرشرة وغيرذلك الشكل (2).
يستعمل المنقار، إضافة إلى التقاط الطعام، في الكسر والنقر والاقتلاع والتمزيق والغَرْف وفي هندمة الريش وتنظيفه وفي إطعام الصغار والدفاع عن النفس وبناء العش.
ريش الطيور
يكسو أجسام الطيور الريش الذي يتمتع بالقوة والمرونة وخفة الوزن، وهو يؤمن لها الحماية والعزل الحراري ويساعدها على الطيران. ويميز من الريش أربعة أنواع:
ـ الريش المحيطي (الكفافي): وهو الريش الخارجي للطائرالذي يعطي للجسم شكله المميز.
ـ الزغب: وهو يلي الريش المحيطي ويساعد على العزل الحراري، فهو يتألف من محاور رفيعة تحمل فروعاً دقيقة ذات زوائد جانبية صغيرة.
ـ الوبر: وهو عبارة عن خيوط دقيقة جداً تنتشر بين النوعين السابقين، له وظيفة حسية أحياناً.
ـ ريش التحليق: وهو الريش القلمي الموجود في الذيل والجناحين، يشبه الريش المحيطي ولكنه أطول وأقوى، ويتألف من محورقوي ومرن يحمل على جانبيه زوائد تسمى السَّفَوات، تتفرع بدورها إلى فروع أدق تسمى السُّفَيّات، يتشابك بعضها مع بعض بوساطة خطاطيف، مما يعطي الريش المتانة المطلوبة الشكل (3).
تبدل الطيور ريشها دورياً بعملية الانسلاخ التي ترتبط بعوامل بيئية كتغير درجة الحرارة والإضاءة، كما تخضع للتأثيرالهرموني للغدد الصم. وتقوم معظم الأنواع بتبديل ريشها مرة واحدة على الأقل كل عام، وهناك بعض الأنواع تفعل ذلك مرتين، وفي هذه الحالة يكون الانسلاخ الأول كاملاً ويتم في الصيف أو الخريف، أي بعد موسم التكاثر، أما الانسلاخ الثاني فيكون جزئيّاً ويحدث في بداية الربيع، والهدف منه ارتداء ريش الزواج الزاهي استعداداً للتكاثر.
تقوم الطيور بالاعتناء بريشها فتنظفه باستمرار وتدهنه بالزيت الذي تفرزه الغدة الزيتية الموجودة في قاعدة الذيل (عند أغلب الطيور).
آلية الطيران
أكثرما يميزالطيور قدرتها على الطيران ماعدا أنواعاً قليلة منها. وهناك شكلان رئيسان للطيران: الطيران الانزلاقي (الشراعي)، والطيران برفرفة الجناحين (التحليق).
يُعَدَّ الشكل الأول، أي الانزلاقي، أبسط أنواع الطيران، ويتم من دون رفرفة الأجنحة، بل ينزلق الطائر في الجو تحت تأثير تيارات الهواء الصاعدة، فيؤدي ذلك إلى توفير كبيرفي الجهد والطاقة. أما النوع الثاني، أي التحليق، فيتم وفق آلية معقدة يساعدها شكل الجناح المصمم ليتلاءم مع الطيران، فهو سميك وملتف من حافته الأمامية، وضيّق من طرفه الخلفي، كما أنه مفلطح أو مُقعَّر قليلاً من سطحه السفلي لتسهيل الصعود في الجو، وأكثر استدارة في سطحه العلوي ليلطف اندفاع الهواء. هذا ولايستخدم الطائر في عملية الصعود إلا الجزء القاعدي من الجناح، حيث تعمل الرياش الأساسية الطويلة وكأنها محركات وسطوح منتظمة. فالهواء الذي ينساب من الجهة الأمامية ويتخطى السطح العلوي المحدب للجناح تزداد سرعته ويندفع مبتعداً مسبباً هبوطاً في الضغط، في حين يبقى الضغط على السطح السفلي للجناح ثابتاً، وتتولد نتيجةَ ذلك قوةُ دفعٍ تؤدي إلى الصعود. ويسهم الذيل في زيادة الصعود أو الهبوط.
يقوم العديد من الصفات المورفولوجية والفيزيولوجية بدور كبير في تسهيل الطيران، فالهيكل العظمي مزود بقنوات هوائية تخفف الوزن مع حفظ متانته، وعضلات الصدر قوية، والتنفس منتظم ومتناسق مع الهضم والدوران والاطراح وشكل الأجنحة، فالطيور السريعة الطيران، كالسنونو والسُمّامة نحيلة الأجنحة منجلية الشكل، والطيورالبحرية كالقطرس والنورس طويلة الأجنحة نحيلة للمساعدة على الانزلاق فوق المحيطات في مختلف الظروف الريحية. ولطيورالطرائد (الصقور) أجنحة قصيرة مستديرة عميقة الشقوق عند نهايتها لتسهيل الإقلاع السريع وزيادة القدرة على المغادرة.
ومن الطيور مافقدت قدرتها على الطيران، كالبطريق الذي تحولت أجنحته إلى مايشبه المجاديف ليستخدمها في الغطس والسباحة، وكذلك النعامة التي ضمرت أجنحتها واقتصرت وظيفتها على جودة التوازن في أثناء الجري والعمل كمروحة للتبريد.
الهيكل العظمي
الشكل (4) الهيكل العظمي للطيور
الشكل (5) الجهاز الهضمي للطيور
الشكل (6) الجهاز التنفسي للطيور
الهيكل العظمي للطيور مبني وفق المخطط العام لهيكل معظم الفقاريات الأخرى نفسه، ولكنْ هناك عدد من الفروق المهمة المرتبطة بالقدرة على الطيران، مثل التحام معظم فقرات العمود الفقري بعضها مع بعض، باستثناء فقرات الرقبة التي تتميز بحركتها الواسعة. ويتميز القص بكبر حجمه، وببروز جؤجؤ بشكل حاد، باستثناء الطيورالعاجزة عن الطيران، ليوفر الارتكاز الجيد لعضلات الطيران، ووجود نواتئ متجهة نحو الخلف كالمهماز في الأضلاع لتمنح القفص الصدري المزيد من المتانة. ويلاحظ أيضاً التحام بعض أجزاء عظام الأطراف، كالتحام عظمي الترقوة الواحد مع الآخر، والتحام عظمي الساق والقصبة بالشظية، وكذلك اندماج عظام الرسغ مع المشط، والتحام عظام القحف، كل ذلك من أجل زيادة صلابة الهيكل العظمي ومقاومته. كما أن أغلب عظام الطيور جوفاء وغنية بأملاح الكلسيوم، مما يعطيها القوة وخفة الوزن في آنٍ معاً الشكل (4).
الجهاز الهضمي
معظم الطيور حيوانية التغذي، والقليل منها تتغذى بالنباتات، ومنها ما يأكل كل شيء، بما في ذلك النفايات. وهي من دون أسنان، يغطي وظيفتها المنقار. تنفتح قاعدة المريء في بعض الأنواع لتشكل حوصلة تستخدم لحفظ الطعام مؤقتاً. وهي تفرز عند الحمام سائلاً لبنياً تغذي به الصغار.
ولمعدة الطيور قسم عضلي ثخين الجدران يسمى القانصة، وهي تحتوي على حصيات صغيرة، تسهم في طحن الطعام، وقسم غدي يفرز العصارات الهاضمة وحمض كلور الماء. وتكون الأمعاء عند الطيور نباتية التغذي طويلة جداً بالمقارنة مع الطيور الحيوانية التغذي. ويلاحظ عند منطقة اتصال الأمعاء الدقيقة مع المستقيم وجود شفع من الردوب هما الأعوران الشكل (5).
الجهاز التنفسي
يتميز الجهازالتنفسي للطيور من باقي الفقاريات الأرضية بعدة خصائص تساعد على زيادة شدة التنفس وتأمين كمية وافرة من الأكسجين في أثناء الطيران. وأهم ما في ذلك عضو التغريد عند تفرع القصبة الهوائية والأكياس الهوائية الرقيقة والمرنة والشفافة التي تتفرع عن الرئتين وتتغلغل بين العضلات والأعضاء الداخلية وقد تتغلغل فروعها تحت الجلد وداخل العظام الكبيرة الشكل (6).
جهاز الدوران
يشبه جهاز الدوران لدى الثدييات من حيث إن القلب ذو أربع حجرات، ووجود دورتين دمويتين متميزتين، دورة كبرى ودورة صغرى. لكن يختلف بالقوس الأبهرية اليمنى على عكس الثدييات ذات القوس الأبهرية اليسرى. كما يلاحظ عند الطيور وجود ثلاثة أوردة جوفاء، وريدان علويان أيمن وأيسر، ووريد ثالث سفلي.
ويتصف قلب الطيور بضخامة حجمه بالنسبة إلى حجم الجسم، وكذلك بسرعة خفقانه الذي قد يصل في الطيورالصغيرة إلى 500 خفقة في الدقيقة، مما يشير إلى معدل استقلاب عال لأجسام الطيور.
جهاز الإطّراح
يشبه جهاز الثدييات لكنه يختلف بأن الفضلات النتروجينية تكون على شكل حمض البول بشكل بلورات غير منحلة في الماء، وهكذا تطرح الفضلات مع فقدان أقل مايمكن من الماء، لذلك يفتقر جهاز البول عند الطيور إلى المثانة. كما تحمل معظم الطيور غُدداً تتوضع فوق الحجاج يتم عن طريقها طرح ملح الطعام الزائد الشكل (7).
الجهاز التناسلي
يتألف الجهاز التناسلي الذكري من خصيتين بيضويتي الشكل. ولايوجد عضو اقتران إلا عند القليل من الطيور كالنعامة والإوز. ويزداد حجم الخصيتين عند اقتراب فصل التكاثر بمقدار 300ـ1000مرة ثم تعود الخصية إلى حجمها الأصلي بعد انتهائه (الشكل 7، أ).
أما الجهاز التناسلي الأنثوي فيتمثل بمبيض واحد (أيسر)، عنقودي الشكل قرب الكلية اليسرى، وقناة ناقلة للبيوض، تنفتح في تجويف البطن بصيوان يتلقف البيوض من المبيض. وتحاط البيوض بالأغشية المختلفة داخل القناة الناقلة، حيث يقوم القسم العلوي منها بإحاطة البيوض بالزلال، ثم بالغشاء القشري وأخيراً بالقشرة الكلسية (الشكل 7، ب).
حياة الطيور وتكاثرها
تتميز الطيور بالشكلية الجنسية الثنائية، إذ تختلف ذكور الطيور عن إناثها من حيث اللون أو الحجم أو السلوك أو الثلاثة معاً. وهي تتكاثر دورياً وفقاً للنمو الفصلي لغددها التناسلية، الذي يتم تحت تأثير العوامل الهرمونية الداخلية والعوامل الخارجية كازدياد طول النهار، واقتراب فصل الأمطار.
تبدأ عملية التكاثر بتشكيل الأزواج بين الذكور والإناث، ويترافق ذلك بحركات واستعراضات يقوم بها الذكر للفت انتباه الأنثى، أو بالغناء وإصدار أصوات معينة، وأحياناً يقوم الشريكان معاً برقصات غزلية جميلة.
معظم الطيور أحادية الزيجة، والقليل منها متعددة الزيجات كالطاووس والطيهوج والطنان. وثمة أنواع تغير شريكها في كل موسم من مواسم التكاثر مثل بعض أنواع البط، وبالمقابل توجد أنواع تبقى مع شريكها عدة سنوات، وأحياناً مدى الحياة كالنسور والتم والإوز.
الشكل (7) الجهاز التناسلي والإطراح
وبعد التزاوج يتم بناء العش الذي يختلف شكله وحجمه من نوع لآخر. وعادة تبني الطيور عشّاً جديداً في كل مرة يتم فيها التزاوج. لكن بعض الأنواع تستعمل العش نفسه عدة سنوات مكتفية بترميمه كل عام. ويشترك الزوجان غالباً في بناء العش، وأحياناً تنفرد الأنثى بذلك.
تتكاثر بعض الطيور في مستعمرات كبيرة كالأطيش gannet والبطريق، مما يساعدها على الحماية والدفاع المشترك ضد الأعداء. كما يختلف حجم البيض الذي تضعه الإناث ولونه من نوع لآخر، وكذلك عدده. فهو يراوح بين بيضة واحدة و مايزيد على العشرين بيضة. وتختلف مدة حضانة البيض كذلك باختلاف الأنواع، لكنها تتناسب مع حجم الطائر، حيث تطول المدة كلما كبر حجمه. وتتولى الأنثى عادة حضن البيض، وفي بعض الأنواع يتناوب الذكر والأنثى على ذلك كما هي الحال لدى نقار الخشب والحمام والنورس، وفي حالات قليلة يقوم الذكر وحده بذلك.
تخرج الصغار عندما تفقس البيوض ضعيفة عاجزة، وتكون إما عارية وعمياء أو مبصرة يغطي أجسامها زغب قليل. يقوم الأبوان بإطعامها وحمايتها وتدفئتها إلى أن تصبح قادرة على العناية بنفسها. وهناك أنواع قليلة تستطيع صغارها الاعتماد على نفسها بعد الفقس مباشرة كدجاج مالي والغطاس.
بيئتها
تقسم الطيور، من حيث بيئتها، إلى ست مجموعات أساسية:
ـ طيور شجرية: وهي تضم فصائل مختلفة من رتبة العصفوريات والكثير من الوقواقيات والطنانات، إضافة إلى الببغاوات. ويسكن بعض الأنواع في المناطق الصخرية القاحلة، متنقلة تارة بين الصخور وطوراً بين الأشجار.
ـ طيور أرضية شجرية: وهي تتميز من سابقتها بقدرتها على البحث عن الغذاء في قمم الأشجار أوعلى الأرض. وهي تبني أعشاشها على الأرض أوعلى الأشجار. من أمثلة هذه المجموعة الحماميات وبعض الدجاجيات والغرابيات والكثير من العصفوريات.
ـ طيور أرضية: وهي مجموعة مركبة تضم أنواعاً تقتات على الأرض وتبني أعشاشها عليها فقط، لكن قد تنتقل إلى الأشجار أوالشجيرات في فترة الراحة أو الأخطار. ينتمي إلى هذه المجموعة معظم الدجاجيات وكذلك الحبارى والكروان والقطا والنعامة والتينام.
ـ طيور قرب مائية: وتتميز، عامة، بطول السيقان والرقبة والأصابع. من أنواعها اللقلقيات والكركيات والفلامنغو وبعض القطقاطيات.
ـ طيور مائية: تعيش على شواطئ البحار والأنهار والمسطحات المائية المختلفة. وتتميز بقدرتها على السباحة. وهناك أنواع منها تجيد الغطس كالبطريق والغطاس، وهي تلتقط غذاءها من سطح الماء في أثناء السباحة أو بالغطس ومطاردة فرائسها في عمق المياه. من أنواعها أنبوبيات الأنف كالقطرس وطيور العاصفة، والإوزيات والبجعيات والنوارس والخرشنة.
ـ الطيور التي تصطاد في الجو: وتضم العديد من الرتب والفصائل كبعض أنبوبيات الأنف وبعض الطيور الجارحة، إضافة إلى السَمّامات والسنونو، وتمتاز جميعها ببراعتها في اصطياد فرائسها وهي طائرة في الجو.
هجرة الطيور
تقسم الطيور من حيث حركتها إلى ثلاث مجموعات:
ـ طيور مستقرة (مستوطنة): تبقى في أماكن تكاثرها بشكل دائم.
ـ طيور محدودة الهجرة: تغادر أماكن تعشيشها إلى مسافات ليست بعيدة للبحث عن الطعام، كالانتقال من المنحدرات الجبلية إلى الأودية.
ـ طيور مهاجرة: تترك أماكن تكاثرها في نهاية الصيف أو في الخريف قاطعة مسافات قد تصل إلى آلاف الكيلومترات لتقضي الشتاء في مناطق أكثر دفئاً، ثم تعود ثانية في فصل الربيع. وتهاجر الطيور عادة من الشمال إلى الجنوب، ويعبر عدد كبيرمنها خط الاستواء لقضاء الشتاء في أفريقيا أو أمريكا الجنوبية أو جنوبي آسيا. كما تهاجر الطيور فرادى أو في مجموعات صغيرة أو كبيرة.
إن العوامل التي تحفز على الهجرة معقدة، ويبدو أن الضوء هو أحد هذه العوامل، حيث يؤثر في حالة الغدد التناسلية وفي اختزان كميات من الدهن في أجسام الطيور.
الشكل (
الأركيوبيتريكس
يعود الكثير من الطيور إلى المكان نفسه الذي هاجرت منه، بل وإلى العش نفسه، والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف تستطيع الطيور أن توجه نفسها؟ لقد أجريت أبحاث كثيرة على ذلك، ووضعت نظريات عديدة للإجابة عن هذا السؤال. تقول إحداها إن الطيور تعتمد على ضوء الشمس والنجوم في الملاحة. وهناك من يعتقد بأنها تهتدي بمساعدة التضاريس الجغرافية كالسلاسل الجبلية وشواطئ البحار ومجاري الأنهار. وقد ظهرت أيضاً فرضيات الاهتداء عن طريق حاسة الشم أو بتحسس الأشعة تحت الحمراء أو الأمواج فوق الصوتية، أو بمساعدة العوامل الجوية كاتجاه الرياح والضغط الجوي. وهناك أيضاً نظرية التعود على الطريق وتذكر المكان، وغير ذلك من النظريات التي لم تثبت صحتها. ولكن أكد فريق من الباحثين الألمان في جامعة أولدنبرج مؤخراً بأن عيون الطيور المهاجرة تحتوي على «بوصلة مغنطيسية» في شبكية عيونها تساعدها في تحديد مسارها والتوجه نحو الشرق أثناء غروب الشمس والعكس صحيح. ويتحكم في هذا التوجه المغنطيسي للطيور المهاجرة البروتين الخاص بحاسة الضوء الأزرق، وهو موجود بداخل شبكية العين».
كما دلت أحدث الدراسات التي أُعلن عنها مؤخراً في لندن بأن «الطيور تستطيع أن ترى بصمات تغلغل المجال المغنطيسي للأرض على الوديان والأشجار والبراري»، وبالتالي يتمكن الطائر من تعرّف أدق تغيرات هذا المجال بين تضاريس الأرض والطبيعة. واكتشف الباحثون أيضاً خلايا قرب شبكية العين ترصد المغنطيسية المتغلغلة بين الأشجار والصخور وكل أشياء الطبيعة الأخرى».
تطور الطيور
يعتقد العلماء بأن الطيور تفرعت عن الزواحف منذ أكثر من 150مليون سنة، عقب تفرع الثدييات الأولى بفترة وجيزة. ويرجع تاريخ أقدم طائر عرف في سجل الحفريات إلى أواخر العصر الجوراسي، وقد عثر عليه في بافاريا عام 1861، وكان بحجم الحمامة، وله رأس يماثل رأس السحلية، وفكان يحملان أسناناً، وله ذيل اسطواني يشبه ذيل الزواحف يتألف من فقرات عديدة متحركة لكنه يحمل على جانبيه الريش. كما كانت تنتهي عظام أجنحته بثلاث أصابع ذات مخالب. ولولا آثار الريش عليه لكان صُنِّفَ في الزواحف. سمي هذا الطائر المجنح القديم Archaeopteryx الشكل (
، وكان يعيش على اليابسة، ولم يكن قادراً على الطيران لمسافات طويلة وإنما كان يتسلق الأشجار والصخور ويستخدم أجنحته للقفز من شجرة لأخرى أو من الأعلى إلى الأسفل.
وفي العصر الجوراسي ظهر أيضاً زاحف آخر يحمل بعض الملامح الشبيهة بالطيور، حيث كان يطير بأجنحة جلدية كأجنحة الخفاش، ثم انقرض لتظهر الطيور الحديثة Neornithes التي تنتمي إليها الطيور الحالية، وقد بدأ ظهورها في العصر الطباشيري بأنواع بدائية مثل الهيسبيرورنيس Hesperornis، وهو طائر مائي كبير الحجم يشبه الغطاس يراوح طوله بين 120و150سم، يحمل أسناناً ويجيد السباحة والغطس، لكنه غير قادر على الطيران بسبب ضمور أجنحته (الشكل 9).
الشكل (9) الهيسبيرورنيس
الشكل (10) الإكثيورنيس
وهناك نوع آخر يعرف باسم إكثيورنيس Ichthyornis وهو طائر بحري صغير يشبه النورس، من دون أسنان، وقادر على الطيران، وأكثر شبهاً بالطيور الحالية: الشكل (10).
وقد عاش في هذه الحقبة طائر مائي يحاكي غراب البحر، وعُثِر أيضاً في البلاد الاسكندنافية على بقايا فلامنغو، ممايدل على تباين الطيور المائية، في ذلك الوقت، شكلاً وملاءمة.
وقد شهدت الطيور في عصري الباليوسين والأيوسين فترة تطور عظيمة، ظهرت فيها عدة فصائل حديثة، تضمنت أسلاف النعام وبجعاً بدائياً، وبلشونات وبطاً وطيوراً جارحة وطيوراً تشبه الدجاج وطيوراً شاطئية. وفي عصري الأوليغوسين والميوسين ظهرت أجناس عديدة لطيورشديدة الشبه بالطيور الحالية. وفي البليوسين ظهر الكثير من الأنواع التي مازالت تعيش حتى اليوم. وقد اتصفت الطيورفي تلك الفترة بتباينها وتنوعها، وبلغ عددها آنذاك نحو11600نوع. ثم جاء العصر البليستوسين الذي كان عصر إبادة وفناء للطيور، حيث رافقته تحولات مناخية كبيرة أدت إلى تشتت الطيور. كما شهد هذا العصر بداية ظهور الإنسان.
ويقدَّر عدد أنواع الطيور الحالية نحو 9000نوعٍ، ويصل عدد الأنواع التي انقرضت إلى مايقرب من 800نوعٍ.
إن الطريق من الأركيوبتيريكس إلى الطيور الحقيقية حافل بالخلق والانقراض، فهناك أنواع ظهرت ثم ولت وخلَّفّت وراءها أنواعاً أكثر ملاءمة لعالم متغير، ولكن للأسف لاتوجد معلومات كافية عن طبيعة هذا التطور ووتيرته، لأن الطيور بعظامها الجوفاء لاتتحجر بسهولة كغيرها من الحيوانات ذات الهياكل العظمية القوية.
تصنيف الطيور
ينتمي صف الطيور Aves إلى شعبة الحبليات Chordata وشعيبة الفقاريات Vertebrata.
وهو يقسم إلى صفيفين: صفيف الطيورالقديمة Archaeornithes الذي يضم الطائر المجنح القديم، والطيورالمستحاثة ذوات الأسنان، وصفيف الطيورالحديثة Neornithes الذي يضم بقية الطيور الأخرى. وتقسم المجموعة الأخيرة بدورها إلى فوق رتبتين:
ـ فوق رتبة قديمات الفك Paleognathae وهي تضم الطيور العاجزة عن الطيران كالنعامة والكيوي، وتتألف من خمس رتب تضم النعاميات.
ـ فوق رتبة حديثات الفك Neognathae وهي تضم كل الطيور الأخرى الحية اليوم والتي تتوزع في ثلاث وعشرين رتبة أهمها:
1ـ بجعيات الشكل :Pelecaniformes طيور مائية تعيش فوق مياه البحار والمحيطات وعلى أحواض المياه العذبة. من أنواعها: البجع والأطْيَش والغاق والزُقّة والفرقاط.
2ـ لقلقيات الشكل Ciconiiformes: طيورمخوضة كبيرة تنتشر في القارات كافة ماعدا القطب الجنوبي. من أنواعها: اللقلق stork والبلشون heron والواق bittern وأبو منجل ibis وأبوملعقة spoonbill والفلامنغو flamengo.
3ـ وزّيّات الشكل:Anseriformes مجموعة ضخمة تشتمل على البط duck والوز goose والتم swan والصياح screamer، تنتشر في المناطق الباردة والمعتدلة.
4ـ الجوارح:Falconiformes تضم النسور vultures والصقور falcons والحدآت kites والمرزات (الهارات) harriers والبيزان hawks والعقبان eagles والبواشق sparrowhawks وغيرها. توجد في كل بقاع العالم ماعدا القطب الشمالي وبعض الجزر.
5ـ دجاجيات الشكلGalliformes : طيور قديمة واسعة الانتشار، يعيش معظمها على الأرض، ولها أهمية اقتصادية. من أنواعها الدجاج الحبشي turkey والطيهوج grouse والحجل partridge والطاووس peafowl والفري (السُماني) quail والتدرج pheasant.
6ـ حماميات الشكل:Columbiformes تنتشر في جميع أنحاء الأرض ماعدا المرتفعات الجبلية، وتضم أنواعاً مختلفة من الحمام pigeon واليمام doves.
7ـ ببغاويات الشكل:Psittaciformes طيور زاهية الألوان تستوطن المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية. تتميز بقدرتها على تقليد الكلام البشري، وأبرعها في ذلك الببغاء parrots الرمادي الإفريقي.
8ـ بوميات الشكل :Strigiformes مجموعة متميزة من الجوارح، ذات نشاط ليلي. تنتشرفي كل مكان ماعدا القطب الجنوبي وبعض الجزر.
9ـ شِقِرّاقيات الشكل:Coraciiformes رتبة كبيرة، طيورها ذات ألوان زاهية. تنتشر في المناطق الاستوائية والمعتدلة، معظمها شجرية. من أنواعها الشقراق roller والوروار bee-eater والقِرِلّي kingfisher والهدهد hoopoe.
10ـ نقاريات الشكلPiciformes : تنتشر في غابات الكرة الأرضية جميعها باستثناء أستراليا ونيوزيلندا وغينيا الجديدة، وهي تضم نقار الخشب woodpecker والطوقان ودليل المناحل honeyguide واللَّوّاء wryneck.
11ـ العصفوريات Passeriformes (الجواثم): من أكبر الرتب في صف الطيور. تنتشر في جميع أنحاء الأرض، ولاسيما في المناطق الحارة، وهي غير موجودة في القارة القطبية الجنوبية.
الطيور البحرية
هي مجموعة غير متجانسة من الطيور، تضم أنواعاً ذات أشكال وحجوم متباينة، وتنتمي إلى رتب مختلفة كالبطريقيات والقطقاطيات وأنبوبيات الأنف والبجعيات الشكل (11). أجسامها عادة مضغوطة بالاتجاه الظهري البطني، مما يؤمن لها استقراراً كبيراً في الماء، كما يكون ريشها كثيفاً ومتماسكاً والزغب نامياً بشكل جيد لضمان الحماية والعزل الحراري، يساعد في ذلك أيضاً كثافة الدهون تحت الجلد. أطرافها الخلفية قصيرة وأصابعها مزودة بغشاء سباحي، وغالباً ما تتجه هذه الأطراف بعيداً نحو الخلف، لذلك تتحرك معظم الطيور البحرية بشكل سيئ على اليابسة. والغدد فوق الحجاج نامية لتساعدها على طرح ملح الطعام الزائد من الجسم لأنها تشرب أحياناً من ماء البحر.
الشكل (11) بعض أنواع الطيور البحرية
معظم الطيور البحرية بارعة في الطيران، يساعدها في ذلك أجنحتها الطويلة الضيقة، ويعد القطرس أبرعها في الطيران الانزلاقي، فهو يتمتع بأطول امتداد للجناحين بالنسبة للطيور المعاصرة والذي يصل إلى مايزيد على ثلاثة أمتار. كما تتميز بعض الطيور البحرية ببراعتها في الغطس كالبجع والأطيش.
وقد طورت هذه الأنواع بعض الصفات التكيفية التي تساعدها على ذلك، كالقص الطويل والعدد الكبير من الأضلاع لزيادة حماية الأعضاء الداخلية من الضغط الخارجي، كما أن حوضها أضيق من غيرها وعظامها أقل هوائية، وتمتد أكياسها الهوائية أيضاً تحت الجلد لحمايتها من الارتطام بسطح الماء.
الشكل (12) مستعمرة طيور الأطيش
وهناك أنواع من الطيور تمضي حياتها في الماء ولاتخرج منه إلا للتكاثر كالغواصيات، لأنها تتحرك بصعوبة على اليابسة، في حين تقضي أنواع أخرى معظم حياتها في الهواء كالخَرْشَنات، مع أنها قادرة على السباحة، وهي تلجأ إلى الشاطئ أو الأجسام العائمة في الماء للراحة فقط. كما توجد أنواع ماهرة في الطيران والسباحة وتمشي بشكل جيد على الأرض كالنورس الذي يفضل البقاء قرب الشواطئ.
ومن الطيور البحرية التي لاتستطيع الطيران ولا الركض البطريق الذي يجيد السباحة والغطس فقط حيث تحورت أجنحته إلى مايشبه المجاديف.
تتغذى الطيور البحرية بالأسماك والعوالق واللافقاريات المائية كالرخويات والسرطانات، وهناك أنواع كالنورس تحب افتراس غيرها من الطيور والثدييات الصغيرة.
أما قراصنة البحر الحقيقية فهي طيور الفرقاط التي تُغير على الطيور الأخرى وتطاردها وتجبرها على التخلي عن طعامها الذي اصطادته وتستولي عليه.
يعيش كثير من الطيور البحرية في مستعمرات يصل عدد أفرادها في بعض الأنواع إلى عدة آلاف كمستعمرات الأطيش والغاق الشكل (12)، وهي تنتج كمية كبيرة من الروث الذي يسمى الغوانو، وله أهمية اقتصادية في بعض البلدان كالبيرو حيث يستخدم سماداً عضوياً، ويُصَدَّر إلى البلدان الأخرى.